وأما رسول الله صلَّى الله عليه وسلم؛ فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، الله إني أنشدك عهدك ووعدك. حتى إذا حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب بشدة، واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك.
وأوحى الله إلى ملائكته: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ } وأوحى إلى رسوله: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } -أي أنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضاً أرسالاً، لا يأتون دفعة واحدة.
30- 25 - نزول الملائكة:
وأغفى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار ). وفي رواية اسحاق؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم:" أبشر يا أبا بكر ، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع ".
ثم خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من باب العريش، وهو يثب في الدرع، ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } (45:54 )، ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً وقال: شاهت الوجوه، ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْت َ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى }.
30- 26 - الهجوم المضاد:
وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره بالهجمة المضادة فقال: شدوا، وحرضهم على القتال، قائلاً: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، وقال وهو يحضهم على القتال: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، (وحينئذ ) قال العمير بن الحمام: بخ بخ، فقال رسول الله: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا، والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها. فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.
وكذلك سأله عوف بن الحارس -ابن عفراء - فقال: يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده! قال: غمسه يده في العدو حاسراً، فنزع درعاً كانت عليه، فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
وحين أصدر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت، وفتر حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم -وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه - قاموا بهجوم كاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف، ويقطعون الأعناق، وزادهم نشاطاً وحدة أن رأوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يثب في الدرع، ويقول في جزم وصراحة: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }، فقاتل المسلمون أشد القتال، ونصرتهم الملائكة، ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدري من ضربها، وقال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: صدقت، ذلك مدد من السماء الثالثة. وقال أبو داود المازني: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري.
وجاء رجل من الأنصار للعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس: إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال: الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: أسكت فقد أيدك الله بملك كريم.
30- 27 - إبليس ينسحب عن ميدان القتال:
ولما رأى إبليس -وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت - فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارس بن هشام -وهو يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارس فألقاه، ثم خرج هارباً، وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر.
30- 28 - الهزيمة الساحقة:
وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون حتى تمت عليهم الهزيمة.
30- 29 - صمود أبي جهل:
أما الطاغية الأكبر أبو جهل، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه، ويقول لهم في شراسة ومكابرة: لا يهزمنكم خزلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال، ولا ألفين رجلاً منكم قتل منهم رجلاً، ولكن خذوهم أخذاً، حتى نعرفهم بسوء صنيعهم.
ولكن سرعان ما تبدى له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إلا قليلاً حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين. نعم بقي حوله عصابة من المشركين، ضربت حوله سياجاً من السيوف وغابات من الرماح، ولكن عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدي غلامين أنصاريين.
30- 30 - مصرع أبي جهل:
قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه، يا عم، أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي، فما تصنع به؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك. قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: هل مسحتما سيفكما؟ فقالا: لا فنظر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إلى السيفين، فقال: كلاكما قتله، وقضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء.
وقال ابن إسحاق: قال معاذ بن عمرو بن الجموح: سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة -والحرجة: الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة- وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه -أطارتها - بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل -وهو عقير - معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل.
ولما انتهت المعركة قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه، وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟ وقال: فلو غير أكار قتلني، ثم قال: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ورسوله، ثم قال لابن مسعود -وكان قد وضع رجله على عنقه -لقد ارتقيت مرتقى صعباً يارويعي الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة .
وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال: الله الذي لا إله إلا هو؟ فرددها ثلاثاً، ثم قال: الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه، فانطلقنا فأريته إياه، فقال: هذا فرعون هذه الأمة.
30
وأوحى الله إلى ملائكته: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ } وأوحى إلى رسوله: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } -أي أنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضاً أرسالاً، لا يأتون دفعة واحدة.
30- 25 - نزول الملائكة:
وأغفى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار ). وفي رواية اسحاق؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم:" أبشر يا أبا بكر ، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع ".
ثم خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من باب العريش، وهو يثب في الدرع، ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } (45:54 )، ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً وقال: شاهت الوجوه، ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْت َ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى }.
30- 26 - الهجوم المضاد:
وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره بالهجمة المضادة فقال: شدوا، وحرضهم على القتال، قائلاً: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، وقال وهو يحضهم على القتال: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، (وحينئذ ) قال العمير بن الحمام: بخ بخ، فقال رسول الله: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا، والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها. فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.
وكذلك سأله عوف بن الحارس -ابن عفراء - فقال: يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده! قال: غمسه يده في العدو حاسراً، فنزع درعاً كانت عليه، فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
وحين أصدر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت، وفتر حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم -وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه - قاموا بهجوم كاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف، ويقطعون الأعناق، وزادهم نشاطاً وحدة أن رأوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يثب في الدرع، ويقول في جزم وصراحة: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }، فقاتل المسلمون أشد القتال، ونصرتهم الملائكة، ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدري من ضربها، وقال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: صدقت، ذلك مدد من السماء الثالثة. وقال أبو داود المازني: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري.
وجاء رجل من الأنصار للعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس: إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال: الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: أسكت فقد أيدك الله بملك كريم.
30- 27 - إبليس ينسحب عن ميدان القتال:
ولما رأى إبليس -وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت - فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارس بن هشام -وهو يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارس فألقاه، ثم خرج هارباً، وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر.
30- 28 - الهزيمة الساحقة:
وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون حتى تمت عليهم الهزيمة.
30- 29 - صمود أبي جهل:
أما الطاغية الأكبر أبو جهل، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه، ويقول لهم في شراسة ومكابرة: لا يهزمنكم خزلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال، ولا ألفين رجلاً منكم قتل منهم رجلاً، ولكن خذوهم أخذاً، حتى نعرفهم بسوء صنيعهم.
ولكن سرعان ما تبدى له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إلا قليلاً حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين. نعم بقي حوله عصابة من المشركين، ضربت حوله سياجاً من السيوف وغابات من الرماح، ولكن عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدي غلامين أنصاريين.
30- 30 - مصرع أبي جهل:
قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه، يا عم، أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي، فما تصنع به؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك. قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: هل مسحتما سيفكما؟ فقالا: لا فنظر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إلى السيفين، فقال: كلاكما قتله، وقضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء.
وقال ابن إسحاق: قال معاذ بن عمرو بن الجموح: سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة -والحرجة: الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة- وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه -أطارتها - بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل -وهو عقير - معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل.
ولما انتهت المعركة قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه، وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟ وقال: فلو غير أكار قتلني، ثم قال: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ورسوله، ثم قال لابن مسعود -وكان قد وضع رجله على عنقه -لقد ارتقيت مرتقى صعباً يارويعي الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة .
وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال: الله الذي لا إله إلا هو؟ فرددها ثلاثاً، ثم قال: الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه، فانطلقنا فأريته إياه، فقال: هذا فرعون هذه الأمة.
30
الخميس مارس 14, 2013 1:33 am من طرف Ahmed shaban
» 77 كتاب للطاقة الداخلية + 9 كتب للباراسيكولوجى
الخميس سبتمبر 06, 2012 6:21 pm من طرف oratchemaro
» حصريا فيلم ((ابراهيم الابيض)) بطولة احمد السقا و هند صبرى نسخة أصلية Rmvb حجم 380 MB
الأربعاء مايو 30, 2012 4:18 pm من طرف mohamed samy 2009
» افلام (فيديوهات) اللعبه الشهيرة need for speed most wanted
الجمعة فبراير 25, 2011 3:33 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(المكتبة الحديثة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:26 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(اللمكتبة القديمة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:13 pm من طرف ArShIdO5
» لعبة الصراحة فى الحب
الجمعة مارس 26, 2010 1:06 am من طرف hamsa 3etab
» صور تحت المطر لازم تتفرج عليها
الثلاثاء فبراير 09, 2010 6:23 pm من طرف hamsa 3etab
» فلسطين في موسوعة جينيس
السبت نوفمبر 28, 2009 11:52 pm من طرف dydy
» اصدقاء
الخميس نوفمبر 26, 2009 6:46 pm من طرف el-klawy