ولما فرغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من قسمة الغنائم في الجعرانة أهَلّ معتمراً منها، فأدى العمرة، وانصرف بعد ذلك راجعاً إلى المدينة بعد أن ولى على مكة عتاب بن أسيد، وكان رجوعه إلى المدينة لست ليال بقيت من ذي القعدة سنة 8هـ.
قال محمد الغزالي: لله ما أفسح المدى الذي بين هذه الآونة الظافرة بعد أن توج الله هامته بالفتح المبين، وبين مقدمه إلى هذا البلد النبيل منذ ثمانية أعوام؟
لقد جاءه مطارداً يبغي الأمان، غريباً مستوحشاً ينشد الإيلاف والإيناس، فأكرم أهله مثواه، وآووه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، واستخفوا بعداوة الناس جميعاً من أجله، وها هو ذا بعد ثمانية أعوام يدخل المدينة التي استقبلته مهاجراً خائفاً؛ لتستقبله مرة أخرى وقد دانت له مكة ، وألقت تحت قدميه كبرياءها وجاهليتها فأنهضها؛ ليعزها بالإسلام، وعفا عن خطيئاتها الأولى {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.
55- 1 - مقدمة البعوث والسرايا بعد الرجوع من غزوة الفتح:
وبعد الرجوع من هذا السفر الطويل الناجح أقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بالمدينة يستقبل الوفود، ويبعث العمال، ويبث الدعاة، ويكبت من بقي في الإستكبار عن الدخول في دين الله، والاستسلام للأمر الواقع الذي شاهدته العرب. وهاك صورة مصغرة من ذلك:
55- 2 - المصدقون:
قد عرفنا مما تقدم أن رجوع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة كان في أواخر أيام السنة الثامنة فما هو إلا أن استهل هلال المحرم من سنة 9هـ، وبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلم المصدقين إلى القبائل. وهذه هي قائمتهم:
1-عيينة بن حصن
لى بني تميم .
2-يزيد بن الحصين
لى أسلم وغفار.
3-عباد بن بشير الأشهلي
لى سليم ومزينة.
4-رافع بن مكيث
لى جهينة .
5-عمرو بن العاص
لى بني فزارة.
6-الضحاك بن سفيان
لى بني كلاب.
7-بشير بن سفيان
لى بني كعب.
8-ابن اللتبية الأزدي
لى بني ذبيان .
9-المهاجر بن أبي أمية
لى صنعاء (وخرج عليه الأسود العنسي وهو بها ).
10-زياد بن لبيد
لى حضرموت .
11-عدي بن حاتم
لى طيء وبني أسد .
12-مالك بن نويرة
لى بني حنظلة.
13-الزبرقان بن بدر
لى بني سعد (إلى قسم منهم ).
14-قيس بن عاصم
لى بني سعد إلى(قسم آخر منهم ).
15-العلاء بن الحضرمي
لى البحرين.
16-علي بن أبي طالب
لى نجران (لجمع الصدقة والجزية كليهما ).
وليس هؤلاء العمال كلهم بعثوا في المحرم سنة 9 هـ؛ بل تأخر بعث عدة منهم إلى اعتناق الإسلام من تلك القبائل التي بعثوا إليها. نعم كانت بداية بعث العمال بهذا الإهتمام البالغ في المحرم سنة 9هـ. وهذا يدل على مدى نجاح الدعوة الإسلامية بعد هدنة الحديبية ، وأما بعد فتح مكة فقد دخل الناس في دين الله أفواجاً.
السرايا
56- 1 - مقدمة غزوة تبوك:
إن غزوة فتح مكة كانت غزوة فاصلة بين الحق والباطل: لم يبق بعدها مجال للريبة والظن في رسالة محمد صلَّى الله عليه وسلم عند العرب، ولذلك انقلب المجرى تماماً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً -كما سيظهر ذلك مما نقدمه في فصل الوفود، ومن العدد الذي حضر في حجة الوداع - وانتهت المتاعب الداخلية واستراح المسلمون؛ لتعليم شرائع الله، وبث دعوة الإسلام.
56- 2 - سبب الغزوة:
إلا أنها كانت هناك قوة تعرضت للمسلمين من غير مبرر، وهي قوة الرومان -أكبر قوة عسكرية ظهرت على وجه الأرض في ذلك الزمان - وقد عرفنا فيما تقدم أن بداية هذا التعرض كانت بقتل سفير رسول الله صلَّى الله عليه وسلم -الحارث بن عمير الأزدي - على يد شرحبيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي صلَّى الله عليه وسلم إلى عظيم بصرى، وأن النبي صلَّى الله عليه وسلم أرسل بعد ذلك سرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان اصطداماً عنيفاً في مؤتة ، ولم تنجح في أخذ الثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم.
ولم يكن قيصر ليصرف نظره عما كان لمعركة مؤتة من الأثر الكبير لصالح المسلمين، وعما كان يطمح إليه بعد ذلك كثير من قبائل العرب من استقلالهم عن قيصر، ومواطأتهم للمسلمين، إن هذا خطراً يتقدم ويخطو إلى حدوده خطوة بعد خطوة، ويهدد الثغور الشامية التي تجاور العرب، فكان يرى أنه يجب القضاء على قوة المسلمين قبل أن تتجسد في صورة خطر عظيم لا يمكن القضاء عليها، وقبل أن تثير القلاقل والثورات في المناطق العربية المجاورة للرومان.
ونظراً إلى هذه المصالح لم يقض قيصر بعد معركة مؤتة سنة كاملة؛ حتى أخذ يهيىء الجيش من الرومان والعرب التابعة لهم من آل غسان وغيرهم، وبدأ يجهز لمعركة دامية فاصلة.
56- 3 - الأخبار العامة عن استعداد الرومان وغسان:
وكانت الأنباء تترامى إلى المدينة بإعداد الرومان للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين، حتى كان الخوف يتسورهم كل حين، لا يسمعون صوتاً غير معتاد إلا ويظنونه زحف الرومان، ويظهر ذلك جلياً مما وقع لعمر بن الخطاب، فقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهراً في هذه السنة (9هـ ) وكان هجرهن واعتزل عنهن في مشربة له، ولم يفطن الصحابة إلى حقيقة الأمر في بدايته فظنوا أن النبي صلَّى الله عليه وسلم طلقهن، فسرى فيهم الهم والحزن والقلق، يقول عمر بن الخطاب -وهو يروي هذه القصة -: وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتيه أنا بالخبر -وكانا يسكنان في عوالي المدينة ، يتناوبان إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم- ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب، فقال: افتح، افتح، فقلت: جاء الغساني؟ فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أزواجه، الحديث.
وفي لفظ آخر (أنه قال ): وكنا تحدثنا أن آل غسان تنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء، فضرب بابي ضرباً شديداً وقال: أنائم هو؟ ففزعت، فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم. فقلت: ما هو؟ أجاءت غسان ؟ قال: لا بل أعظم منه وأطول، طلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلم نساءه. الحديث.
وهذا يدل على خطورة الموقف. الذي كان يواجهه المسلمون بالنسبة إلى الرومان. ويزيد ذلك تأكداً ما فعله المنافقون حينما نقلت إلى المدينة أخبار إعداد الرومان، فبرغم ما رآه المنافقون من نجاح رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في كل الميادين، وأنه لا يوجل من سلطان على ظهر الأرض، بل يذيب كل ما يعترض في طريقه من عوائق، برغم هذا كله طفق هؤلاء المنافقون يأملون في تحقق ما كانوا يخفونه في صدورهم، وما كانو يتربصونه من الشر بالإسلام وأهله. ونظراً إلى قرب تحقق آمالهم أنشأوا وكرة للدس والتآمر، في صورة مسجد، وهو مسجد الضرار، أسسوه كفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وعرضوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، وإنما مرامهم بذلك أن يخدعوا المؤمنين، فلا يفطنوا إلى ما يؤتى به في هذا المسجد من الدس والمؤامرة ضدهم، ولا يلتفتوا إلى من يرده ويصدر عنه، فيصير وكرة مأمونة لهؤلاء المنافقين و لرفقائهم في الخارج، ولكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أخر الصلاة فيه -إلى قفوله من الغزوة - لشغله بالجهاز، ففشلوا في مرامهم وفضحهم الله، حتى قام الرسول صلَّى الله عليه وسلم بهدم المسجد بعد القفول من الغزو، بدل أن يصلي فيه.
56- 4 - الأخبار الخاصة عن إستعداد الرومان وغسان:
كانت هذه هي الأحوال والأخبار التي يواجهها ويتلقاها المسلمون، إذ بلغهم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشاً عرمرماً قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطى قيادته لعظيم من عظماء الروم، وأنه جلب معهم قبائل لخم وجذام وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء، وهكذا تمثل أمام المسلمين خطر كبير.
56- 5 - زيادة خطورة الموقف:
والذي كان يزيد خطورة الموقف أن الزمان كان فصل القيظ الشديد، وكان الناس في عسرة وجدب من البلاء وقلة من الظهر، وكانت الثمار قد طابت، فكانو يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال، من الزمان الذي هم فيه، ومع هذا كله كانت المسافة بعيدة، والطريق وعرة صعبة.
56- 6 - الرسول صلَّى الله عليه وسلم يقرر القيام بإقدام حاسم:
ولكن الرسول صلَّى الله عليه وسلم كان ينظر إلى الظروف والتطورات بنظر أدق وأحكم من هذا كله. إنه كان يرى أنه لو توانى وتكاسل عن غزو الرومان في هذه الظروف الحاسمة، وترك الرومان لتجوس خلال المناطق التي كانت تحت سيطرة الإسلام ونفوذه، وتزحف إلى المدينة؛ كان له أسوأ أثر على الدعوة الإسلامية، وعلى سمعة المسلمين العسكرية. فالجاهلية التي تلفظ نفسها الأخير بعدما لقيت من الضربة القاسمة في حنين ستحيا مرة أخرى، والمنافقون الذين يتربصون الدوائر بالمسلمين، ويتصلون بملك الرومان بواسطة أبي عامر الفاسق سيبعجون بطون المسلمين بخناجرهم من الخلف، في حين تهجم الرومان بحملة ضارية على المسلمين من الأمام، وهكذا يخفق كثير من الجهود التي بذلها هو وأصحابه في نشر الإسلام، وتذهب المكاسب التي حصلوا عليها بعد حروب دامية ودوريات عسكرية متتابعة متواصلة... تذهب هذه المكاسب بغير جدوى.
كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يعرف كل هذا جيداً، ولذلك قرر القيام -مع ما كان فيه من العسرة والشدة - بغزوة فاصلة يخوضها المسلمون ضد الرومان في حدودهم، ولا يمهلونهم حتى يزحفوا إلى دار الإسلام.
قال محمد الغزالي: لله ما أفسح المدى الذي بين هذه الآونة الظافرة بعد أن توج الله هامته بالفتح المبين، وبين مقدمه إلى هذا البلد النبيل منذ ثمانية أعوام؟
لقد جاءه مطارداً يبغي الأمان، غريباً مستوحشاً ينشد الإيلاف والإيناس، فأكرم أهله مثواه، وآووه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، واستخفوا بعداوة الناس جميعاً من أجله، وها هو ذا بعد ثمانية أعوام يدخل المدينة التي استقبلته مهاجراً خائفاً؛ لتستقبله مرة أخرى وقد دانت له مكة ، وألقت تحت قدميه كبرياءها وجاهليتها فأنهضها؛ ليعزها بالإسلام، وعفا عن خطيئاتها الأولى {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.
55- 1 - مقدمة البعوث والسرايا بعد الرجوع من غزوة الفتح:
وبعد الرجوع من هذا السفر الطويل الناجح أقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بالمدينة يستقبل الوفود، ويبعث العمال، ويبث الدعاة، ويكبت من بقي في الإستكبار عن الدخول في دين الله، والاستسلام للأمر الواقع الذي شاهدته العرب. وهاك صورة مصغرة من ذلك:
55- 2 - المصدقون:
قد عرفنا مما تقدم أن رجوع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة كان في أواخر أيام السنة الثامنة فما هو إلا أن استهل هلال المحرم من سنة 9هـ، وبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلم المصدقين إلى القبائل. وهذه هي قائمتهم:
1-عيينة بن حصن
لى بني تميم .
2-يزيد بن الحصين
لى أسلم وغفار.
3-عباد بن بشير الأشهلي
لى سليم ومزينة.
4-رافع بن مكيث
لى جهينة .
5-عمرو بن العاص
لى بني فزارة.
6-الضحاك بن سفيان
لى بني كلاب.
7-بشير بن سفيان
لى بني كعب.
8-ابن اللتبية الأزدي
لى بني ذبيان .
9-المهاجر بن أبي أمية
لى صنعاء (وخرج عليه الأسود العنسي وهو بها ).
10-زياد بن لبيد
لى حضرموت .
11-عدي بن حاتم
لى طيء وبني أسد .
12-مالك بن نويرة
لى بني حنظلة.
13-الزبرقان بن بدر
لى بني سعد (إلى قسم منهم ).
14-قيس بن عاصم
لى بني سعد إلى(قسم آخر منهم ).
15-العلاء بن الحضرمي
لى البحرين.
16-علي بن أبي طالب
لى نجران (لجمع الصدقة والجزية كليهما ).
وليس هؤلاء العمال كلهم بعثوا في المحرم سنة 9 هـ؛ بل تأخر بعث عدة منهم إلى اعتناق الإسلام من تلك القبائل التي بعثوا إليها. نعم كانت بداية بعث العمال بهذا الإهتمام البالغ في المحرم سنة 9هـ. وهذا يدل على مدى نجاح الدعوة الإسلامية بعد هدنة الحديبية ، وأما بعد فتح مكة فقد دخل الناس في دين الله أفواجاً.
السرايا
56- 1 - مقدمة غزوة تبوك:
إن غزوة فتح مكة كانت غزوة فاصلة بين الحق والباطل: لم يبق بعدها مجال للريبة والظن في رسالة محمد صلَّى الله عليه وسلم عند العرب، ولذلك انقلب المجرى تماماً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً -كما سيظهر ذلك مما نقدمه في فصل الوفود، ومن العدد الذي حضر في حجة الوداع - وانتهت المتاعب الداخلية واستراح المسلمون؛ لتعليم شرائع الله، وبث دعوة الإسلام.
56- 2 - سبب الغزوة:
إلا أنها كانت هناك قوة تعرضت للمسلمين من غير مبرر، وهي قوة الرومان -أكبر قوة عسكرية ظهرت على وجه الأرض في ذلك الزمان - وقد عرفنا فيما تقدم أن بداية هذا التعرض كانت بقتل سفير رسول الله صلَّى الله عليه وسلم -الحارث بن عمير الأزدي - على يد شرحبيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي صلَّى الله عليه وسلم إلى عظيم بصرى، وأن النبي صلَّى الله عليه وسلم أرسل بعد ذلك سرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان اصطداماً عنيفاً في مؤتة ، ولم تنجح في أخذ الثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم.
ولم يكن قيصر ليصرف نظره عما كان لمعركة مؤتة من الأثر الكبير لصالح المسلمين، وعما كان يطمح إليه بعد ذلك كثير من قبائل العرب من استقلالهم عن قيصر، ومواطأتهم للمسلمين، إن هذا خطراً يتقدم ويخطو إلى حدوده خطوة بعد خطوة، ويهدد الثغور الشامية التي تجاور العرب، فكان يرى أنه يجب القضاء على قوة المسلمين قبل أن تتجسد في صورة خطر عظيم لا يمكن القضاء عليها، وقبل أن تثير القلاقل والثورات في المناطق العربية المجاورة للرومان.
ونظراً إلى هذه المصالح لم يقض قيصر بعد معركة مؤتة سنة كاملة؛ حتى أخذ يهيىء الجيش من الرومان والعرب التابعة لهم من آل غسان وغيرهم، وبدأ يجهز لمعركة دامية فاصلة.
56- 3 - الأخبار العامة عن استعداد الرومان وغسان:
وكانت الأنباء تترامى إلى المدينة بإعداد الرومان للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين، حتى كان الخوف يتسورهم كل حين، لا يسمعون صوتاً غير معتاد إلا ويظنونه زحف الرومان، ويظهر ذلك جلياً مما وقع لعمر بن الخطاب، فقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهراً في هذه السنة (9هـ ) وكان هجرهن واعتزل عنهن في مشربة له، ولم يفطن الصحابة إلى حقيقة الأمر في بدايته فظنوا أن النبي صلَّى الله عليه وسلم طلقهن، فسرى فيهم الهم والحزن والقلق، يقول عمر بن الخطاب -وهو يروي هذه القصة -: وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتيه أنا بالخبر -وكانا يسكنان في عوالي المدينة ، يتناوبان إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم- ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب، فقال: افتح، افتح، فقلت: جاء الغساني؟ فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أزواجه، الحديث.
وفي لفظ آخر (أنه قال ): وكنا تحدثنا أن آل غسان تنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء، فضرب بابي ضرباً شديداً وقال: أنائم هو؟ ففزعت، فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم. فقلت: ما هو؟ أجاءت غسان ؟ قال: لا بل أعظم منه وأطول، طلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلم نساءه. الحديث.
وهذا يدل على خطورة الموقف. الذي كان يواجهه المسلمون بالنسبة إلى الرومان. ويزيد ذلك تأكداً ما فعله المنافقون حينما نقلت إلى المدينة أخبار إعداد الرومان، فبرغم ما رآه المنافقون من نجاح رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في كل الميادين، وأنه لا يوجل من سلطان على ظهر الأرض، بل يذيب كل ما يعترض في طريقه من عوائق، برغم هذا كله طفق هؤلاء المنافقون يأملون في تحقق ما كانوا يخفونه في صدورهم، وما كانو يتربصونه من الشر بالإسلام وأهله. ونظراً إلى قرب تحقق آمالهم أنشأوا وكرة للدس والتآمر، في صورة مسجد، وهو مسجد الضرار، أسسوه كفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وعرضوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، وإنما مرامهم بذلك أن يخدعوا المؤمنين، فلا يفطنوا إلى ما يؤتى به في هذا المسجد من الدس والمؤامرة ضدهم، ولا يلتفتوا إلى من يرده ويصدر عنه، فيصير وكرة مأمونة لهؤلاء المنافقين و لرفقائهم في الخارج، ولكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أخر الصلاة فيه -إلى قفوله من الغزوة - لشغله بالجهاز، ففشلوا في مرامهم وفضحهم الله، حتى قام الرسول صلَّى الله عليه وسلم بهدم المسجد بعد القفول من الغزو، بدل أن يصلي فيه.
56- 4 - الأخبار الخاصة عن إستعداد الرومان وغسان:
كانت هذه هي الأحوال والأخبار التي يواجهها ويتلقاها المسلمون، إذ بلغهم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشاً عرمرماً قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطى قيادته لعظيم من عظماء الروم، وأنه جلب معهم قبائل لخم وجذام وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء، وهكذا تمثل أمام المسلمين خطر كبير.
56- 5 - زيادة خطورة الموقف:
والذي كان يزيد خطورة الموقف أن الزمان كان فصل القيظ الشديد، وكان الناس في عسرة وجدب من البلاء وقلة من الظهر، وكانت الثمار قد طابت، فكانو يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال، من الزمان الذي هم فيه، ومع هذا كله كانت المسافة بعيدة، والطريق وعرة صعبة.
56- 6 - الرسول صلَّى الله عليه وسلم يقرر القيام بإقدام حاسم:
ولكن الرسول صلَّى الله عليه وسلم كان ينظر إلى الظروف والتطورات بنظر أدق وأحكم من هذا كله. إنه كان يرى أنه لو توانى وتكاسل عن غزو الرومان في هذه الظروف الحاسمة، وترك الرومان لتجوس خلال المناطق التي كانت تحت سيطرة الإسلام ونفوذه، وتزحف إلى المدينة؛ كان له أسوأ أثر على الدعوة الإسلامية، وعلى سمعة المسلمين العسكرية. فالجاهلية التي تلفظ نفسها الأخير بعدما لقيت من الضربة القاسمة في حنين ستحيا مرة أخرى، والمنافقون الذين يتربصون الدوائر بالمسلمين، ويتصلون بملك الرومان بواسطة أبي عامر الفاسق سيبعجون بطون المسلمين بخناجرهم من الخلف، في حين تهجم الرومان بحملة ضارية على المسلمين من الأمام، وهكذا يخفق كثير من الجهود التي بذلها هو وأصحابه في نشر الإسلام، وتذهب المكاسب التي حصلوا عليها بعد حروب دامية ودوريات عسكرية متتابعة متواصلة... تذهب هذه المكاسب بغير جدوى.
كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يعرف كل هذا جيداً، ولذلك قرر القيام -مع ما كان فيه من العسرة والشدة - بغزوة فاصلة يخوضها المسلمون ضد الرومان في حدودهم، ولا يمهلونهم حتى يزحفوا إلى دار الإسلام.
الخميس مارس 14, 2013 1:33 am من طرف Ahmed shaban
» 77 كتاب للطاقة الداخلية + 9 كتب للباراسيكولوجى
الخميس سبتمبر 06, 2012 6:21 pm من طرف oratchemaro
» حصريا فيلم ((ابراهيم الابيض)) بطولة احمد السقا و هند صبرى نسخة أصلية Rmvb حجم 380 MB
الأربعاء مايو 30, 2012 4:18 pm من طرف mohamed samy 2009
» افلام (فيديوهات) اللعبه الشهيرة need for speed most wanted
الجمعة فبراير 25, 2011 3:33 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(المكتبة الحديثة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:26 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(اللمكتبة القديمة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:13 pm من طرف ArShIdO5
» لعبة الصراحة فى الحب
الجمعة مارس 26, 2010 1:06 am من طرف hamsa 3etab
» صور تحت المطر لازم تتفرج عليها
الثلاثاء فبراير 09, 2010 6:23 pm من طرف hamsa 3etab
» فلسطين في موسوعة جينيس
السبت نوفمبر 28, 2009 11:52 pm من طرف dydy
» اصدقاء
الخميس نوفمبر 26, 2009 6:46 pm من طرف el-klawy