وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم، قام المسلمون بالهجوم عليه تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، ففرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث، دعا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) لفتح هذا الحصن دعوة خاصة.
وروى ابن إسحاق: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، فقالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاماً وودكاً. فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه.
ولما ندب النبي (صلَّى الله عليه وسلم) المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم المقاديم في المهاجمة، ودار البراز والقتال أمام الحصن. ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس، ووجد فيه المسلمون بعض المنجنيقات والدبابات.
ولأجل هذه المجاعة الشديدة التي ورد ذكرها في رواية ابن اسحاق كان رجال من الجيش قد ذبحوا الحمير، ونصبوا القدور على النيران، فلما علم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بذلك نهى عن لحوم الحمر الإنسية.
43- 12 - فتح قلعة الزبير:
وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل حصون النطاة إلى قلعة الزبير ، وهو حصن منيع في رأس قلة، لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) الحصار، وأقام محاصراً ثلاثة أيام. فجاء رجل من اليهود، وقال: يا أبا القاسم إنك لو أقمت شهراً ما بالوا، إن لهم شراباً وعيوناً تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك. فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم).
43- 13 - فتح قلعة أبي:
وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيها، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري، صاحب العصابة الحمراء، وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجرى قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول.
43- 14 - فتح حصن النزار:
كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل، ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع الأربعة السابقة.
وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلاً للاقتحام فيه، أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، للاشتباك مع قوات المسلمين، لكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة.
وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بنصب آلات المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا بها القذائف، فأوقعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن، انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخرى، بل فروا -من فروا- من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم.
وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر ، وهي ناحية النطاة والشق، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخرى، إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر .
43- 15 - فتح الشطر الثاني من خيبر:
ولما فتحت ناحية النطاة والشق، تحول رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن أبي الحقيق من بني النضير، وجاءهم كل فل كان انهزم من النطاة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن.
واختلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصونها الثلاثة أم لا فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص . بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجري هناك مفاوضة للاستسلام.
أما الواقدي، فيصرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاثة إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن تكون المفاوضة قد جرت لاستلام حصن القموص بعد إدارة القتال. و أما الحصنان الآخران فقد سلما إلى المسلمين دونما قتال.
ومهما كان فلما أتى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى هذه الناحية -الكتيبة- فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يوماً، واليهود لا يخرجون من حصونهم، حتى همّ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) الصلح.
43- 16 - المفاوضة:
وأرسل بن أبي الحقيق إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): انزل فأكلمك؟ قال: نعم فنزل، وصالح على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء -أي الذهب والفضة- والكراع والحلقة إلا ثوباً على ظهر إنسان، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً، فصالحوه على ذلك. وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر .
43- 17 - قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد:
وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالاً كثيراً، غيبا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير.
قال ابن إسحاق: وأتى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ قال: نعم! فأمر بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه. فدفعه إلى الزبير، وقال: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة (وكان محمود قتل تحت جدار حصن ناعم ألقي عليه الرحى، وهو يستظل بالجدار فمات).
وذكر ابن القيم أن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أمر بقتل ابني أبي الحقيق، وكان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال هو ابن عم كنانة .
وسبى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، وكانت عروساً حديثة العهد بالدخول.
43- 18 - قسمة الغنائم:
وأراد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن يجلي اليهود من خيبر ، فقالوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون يقومون عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر ما بدا لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن يقرهم. وكان عبدالله بن رواحة يخرصه عليهم.
وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهماً، وجمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر وهو ألف وثمانمائة سهم، هم لنوائبه وما يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم، لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفاً وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد.
ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر ، وما رواه عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر. ولما رجع رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل.
43- 19 - قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين:
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه.
قال أبو موسى: بلغنا مخرج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه -أنا وأخوان لي- في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفراً وأصحابه عنده، فقال: إن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) حين فتح خيبر ، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
ولما قدم جعفر على النبي (صلَّى الله عليه وسلم) تلقاه وقبله، وقال: والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر.
وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري، يطلب توجيههم إليه، فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم، وبقيتهم جاءوا إلى المدينة قبل ذلك.
43- 20 - الزواج بصفية:
ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كنانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية. فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها. فجاء بها، فلما نظر إليها النبي (صلَّى الله عليه وسلم) قال: خذ جارية من السبي غيرها، وعرض عليها النبي (صلَّى الله عليه وسلم) الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حتى إذا كان بسد الصهباء راجعاً إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم ، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروساً بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسويق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها.
ورأى بوجهها خضرة، فقال: ما هذا؟ قالت: يا رسول الله، رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئاً، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي. فقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة.
43- 21 - أمر الشاة المسمومة:
ولما اطمأن رسول الله بخيبر بعد فتحها أهدت له زينت بنت الحارث-امرأة سلام ابن مشكم- شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) تناول الذراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ولفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم. ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: قلت: إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر، فتجاوز عنها.
وكان معه بشر بن البراء بن معرور، أخذ منهاأكلة، فأساغها، فمات منها.
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولاً، فلما مات بشر قتلها قصاصاً.
43- 22 - قتلى الفريقين في معارك خيبر:
وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد من أسلم، وواحد من أهل خيبر ، والباقون من الأنصار.
ويقال: إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 18 رجلاً. وذكر العلامة المنصور فوري 19 رجلاً، ثم قال: إني وجدت بعد التفحص23 اسماً، واحداً منها في ا لطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة، وواحد اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر . والصحيح أنه قتل في بدر.
أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً.
43- 23 - فدك:
ولما بلغ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى خيبر ، بعث محيصة بن مسعود إلى يهود فدك، ليدعوهم إلى الإسلام فأبطأوا عليه، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) يصالحونه على النصف من فدك، بمثل ما صالح عليه أهل خيبر ، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) خالصة، لأنه لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب.
43- 24 - وادي القرى:
ولما فرغ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) من خيبر ، انصرف إلى وادي القرى ، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب.
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على تعبئة، فقتل مدعم عبد لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، فقال الناس: هنيئاً له الجنة، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشعل عليه ناراً. فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بشراك أو شراكين، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): شراك من نار أو شراكان من نار.
ثم عبأ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عبادة بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام.
وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمه الله أموالهم، وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً.
وأقام رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بوادي القرى أربعة أيام، وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها (كما عامل أهل خيبر ).
43- 25 - تيماء :
ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي القرى لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح. فقبل ذلك منهم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، وأقاموا بأموالهم، وكتب لهم بذلك كتاباً، وهاك نصه: هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، إن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد.
43- 26 - العودة إلى المدينة:
ثم أخذ رسول الله في العودة إلى المدينة ، وفي مرجعه ذلك سار ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال: اكلأ لنا الليل، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلى الفجر بالناس، وقيل: إن هذه القصة في غير هذا السفر.
وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر يبدو أن رجوع النبي (صلَّى الله عليه وسلم) كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7هـ.
وروى ابن إسحاق: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، فقالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاماً وودكاً. فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه.
ولما ندب النبي (صلَّى الله عليه وسلم) المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم المقاديم في المهاجمة، ودار البراز والقتال أمام الحصن. ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس، ووجد فيه المسلمون بعض المنجنيقات والدبابات.
ولأجل هذه المجاعة الشديدة التي ورد ذكرها في رواية ابن اسحاق كان رجال من الجيش قد ذبحوا الحمير، ونصبوا القدور على النيران، فلما علم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بذلك نهى عن لحوم الحمر الإنسية.
43- 12 - فتح قلعة الزبير:
وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل حصون النطاة إلى قلعة الزبير ، وهو حصن منيع في رأس قلة، لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) الحصار، وأقام محاصراً ثلاثة أيام. فجاء رجل من اليهود، وقال: يا أبا القاسم إنك لو أقمت شهراً ما بالوا، إن لهم شراباً وعيوناً تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك. فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم).
43- 13 - فتح قلعة أبي:
وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيها، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري، صاحب العصابة الحمراء، وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجرى قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول.
43- 14 - فتح حصن النزار:
كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل، ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع الأربعة السابقة.
وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلاً للاقتحام فيه، أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، للاشتباك مع قوات المسلمين، لكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة.
وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بنصب آلات المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا بها القذائف، فأوقعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن، انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخرى، بل فروا -من فروا- من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم.
وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر ، وهي ناحية النطاة والشق، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخرى، إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر .
43- 15 - فتح الشطر الثاني من خيبر:
ولما فتحت ناحية النطاة والشق، تحول رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن أبي الحقيق من بني النضير، وجاءهم كل فل كان انهزم من النطاة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن.
واختلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصونها الثلاثة أم لا فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص . بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجري هناك مفاوضة للاستسلام.
أما الواقدي، فيصرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاثة إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن تكون المفاوضة قد جرت لاستلام حصن القموص بعد إدارة القتال. و أما الحصنان الآخران فقد سلما إلى المسلمين دونما قتال.
ومهما كان فلما أتى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى هذه الناحية -الكتيبة- فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يوماً، واليهود لا يخرجون من حصونهم، حتى همّ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) الصلح.
43- 16 - المفاوضة:
وأرسل بن أبي الحقيق إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): انزل فأكلمك؟ قال: نعم فنزل، وصالح على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء -أي الذهب والفضة- والكراع والحلقة إلا ثوباً على ظهر إنسان، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً، فصالحوه على ذلك. وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر .
43- 17 - قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد:
وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالاً كثيراً، غيبا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير.
قال ابن إسحاق: وأتى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ قال: نعم! فأمر بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه. فدفعه إلى الزبير، وقال: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة (وكان محمود قتل تحت جدار حصن ناعم ألقي عليه الرحى، وهو يستظل بالجدار فمات).
وذكر ابن القيم أن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أمر بقتل ابني أبي الحقيق، وكان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال هو ابن عم كنانة .
وسبى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، وكانت عروساً حديثة العهد بالدخول.
43- 18 - قسمة الغنائم:
وأراد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن يجلي اليهود من خيبر ، فقالوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون يقومون عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر ما بدا لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن يقرهم. وكان عبدالله بن رواحة يخرصه عليهم.
وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهماً، وجمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر وهو ألف وثمانمائة سهم، هم لنوائبه وما يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم، لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفاً وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد.
ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر ، وما رواه عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر. ولما رجع رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل.
43- 19 - قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين:
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه.
قال أبو موسى: بلغنا مخرج رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه -أنا وأخوان لي- في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفراً وأصحابه عنده، فقال: إن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) حين فتح خيبر ، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
ولما قدم جعفر على النبي (صلَّى الله عليه وسلم) تلقاه وقبله، وقال: والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر.
وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري، يطلب توجيههم إليه، فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم، وبقيتهم جاءوا إلى المدينة قبل ذلك.
43- 20 - الزواج بصفية:
ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كنانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية. فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها. فجاء بها، فلما نظر إليها النبي (صلَّى الله عليه وسلم) قال: خذ جارية من السبي غيرها، وعرض عليها النبي (صلَّى الله عليه وسلم) الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حتى إذا كان بسد الصهباء راجعاً إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم ، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروساً بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسويق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها.
ورأى بوجهها خضرة، فقال: ما هذا؟ قالت: يا رسول الله، رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئاً، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي. فقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة.
43- 21 - أمر الشاة المسمومة:
ولما اطمأن رسول الله بخيبر بعد فتحها أهدت له زينت بنت الحارث-امرأة سلام ابن مشكم- شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) تناول الذراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ولفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم. ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: قلت: إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر، فتجاوز عنها.
وكان معه بشر بن البراء بن معرور، أخذ منهاأكلة، فأساغها، فمات منها.
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولاً، فلما مات بشر قتلها قصاصاً.
43- 22 - قتلى الفريقين في معارك خيبر:
وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد من أسلم، وواحد من أهل خيبر ، والباقون من الأنصار.
ويقال: إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 18 رجلاً. وذكر العلامة المنصور فوري 19 رجلاً، ثم قال: إني وجدت بعد التفحص23 اسماً، واحداً منها في ا لطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة، وواحد اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر . والصحيح أنه قتل في بدر.
أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً.
43- 23 - فدك:
ولما بلغ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إلى خيبر ، بعث محيصة بن مسعود إلى يهود فدك، ليدعوهم إلى الإسلام فأبطأوا عليه، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) يصالحونه على النصف من فدك، بمثل ما صالح عليه أهل خيبر ، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) خالصة، لأنه لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب.
43- 24 - وادي القرى:
ولما فرغ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) من خيبر ، انصرف إلى وادي القرى ، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب.
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على تعبئة، فقتل مدعم عبد لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، فقال الناس: هنيئاً له الجنة، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشعل عليه ناراً. فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) بشراك أو شراكين، فقال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): شراك من نار أو شراكان من نار.
ثم عبأ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عبادة بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام.
وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمه الله أموالهم، وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً.
وأقام رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بوادي القرى أربعة أيام، وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها (كما عامل أهل خيبر ).
43- 25 - تيماء :
ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي القرى لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح. فقبل ذلك منهم رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، وأقاموا بأموالهم، وكتب لهم بذلك كتاباً، وهاك نصه: هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، إن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد.
43- 26 - العودة إلى المدينة:
ثم أخذ رسول الله في العودة إلى المدينة ، وفي مرجعه ذلك سار ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال: اكلأ لنا الليل، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلى الفجر بالناس، وقيل: إن هذه القصة في غير هذا السفر.
وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر يبدو أن رجوع النبي (صلَّى الله عليه وسلم) كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7هـ.
الخميس مارس 14, 2013 1:33 am من طرف Ahmed shaban
» 77 كتاب للطاقة الداخلية + 9 كتب للباراسيكولوجى
الخميس سبتمبر 06, 2012 6:21 pm من طرف oratchemaro
» حصريا فيلم ((ابراهيم الابيض)) بطولة احمد السقا و هند صبرى نسخة أصلية Rmvb حجم 380 MB
الأربعاء مايو 30, 2012 4:18 pm من طرف mohamed samy 2009
» افلام (فيديوهات) اللعبه الشهيرة need for speed most wanted
الجمعة فبراير 25, 2011 3:33 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(المكتبة الحديثة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:26 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(اللمكتبة القديمة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:13 pm من طرف ArShIdO5
» لعبة الصراحة فى الحب
الجمعة مارس 26, 2010 1:06 am من طرف hamsa 3etab
» صور تحت المطر لازم تتفرج عليها
الثلاثاء فبراير 09, 2010 6:23 pm من طرف hamsa 3etab
» فلسطين في موسوعة جينيس
السبت نوفمبر 28, 2009 11:52 pm من طرف dydy
» اصدقاء
الخميس نوفمبر 26, 2009 6:46 pm من طرف el-klawy