بعد البحث عن سياسة الجزيرة وأديانها؛ بقي لنا أن نتكلم حول الأحوال الاجتماعية، والاقتصادية، والخلقية، وفيما يلي بيانها بإيجاز:
5- 2 - الحالة الاجتماعية:
كانت في العرب أوساط متنوعة، تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم، وكان لها من حرية الإرادة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف، وتراق الدماء، وكان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، ومع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الأسرة، وصاحب الكلمة فيها، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم.
بينما هذه حال الأشراف، كان هناك في الأوساط الأخرى أنواع من الإختلاط بين الرجل والمرأة، لا نستطيع أن نعبر عنه إلا بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة، روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فكان منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر:كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتز لها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط دون العشرة. فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها. فإذا حملت، ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها. وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات، تكن علماً لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعى ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمداً صلَّى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم.
وكانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، وأسنة الرماح، فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم.
وكان من المعروف في أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، وكانوا يجمعون بين الأختين، وكانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها (سورة النساء 22، 23) وكان الطلاق بين الرجال لا إلى حد معين.
وكانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الأوساط، لا نستطيع أن نخص منها وسطاً دون وسط أو صنفاً دون صنف، إلا أفراداً من الرجال والنساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في هذه الرذيلة، وكانت الحرائر أحسن حالاً من الإماء والطامة الكبرى هي الإماء، ويبدو أن الأغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الإنتساب إلى هذه الفاحشة، روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن جده قال: قام رجل فقال يا رسول الله إن فلاناً ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : "لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية. الولد للفراش وللعاهر الحجر "، وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة -وهو عبد الرحمن بن زمعة - معروفة.
وكانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى فمنهم من يقول:
إنما أولادنا بيننا
كبادنا تمشي على الأرضِ
ومنهم من كان يئد البنات خشية العار والإنفاق، ويقتل الأولاد خشية الفقر والإملاق (القرآن 6:151، 58:16-59، 31:17، 8:81 )، ولكن لا يمكننا أن نعد هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة، فقد كانوا أشد الناس احتياجاً إلى البنين، ليتقوا بهم العدو.
أما معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية، ويموتون لها. وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية، وكان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم، وكانوا يسيرون على المثل السائر "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" على المعنى الحقيقي، من غير التعديل الذي جاء به الإسلام من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه، إلا أن التنافس في الشرف والسؤدد كثيراً ما كان يفضي إلى الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد، كما نرى ذلك بين الأوس والخزرج، وعبس وذبيان، وبكر وتغلب وغيرها.
أما العلاقة بين القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الأوصال تماماً، وكانت قواهم متفانية في الحروب. إلا أن الرهبة والوجل من بعض التقاليد والعادات المشتركة بين الدين والخرافة ربما كان يخفف من حدتها وصرامتها وفي بعض الحالات كانت الموالاة والحلف والتبعية تفضي إلى اجتماع القبائل المتغايرة، وكانت الأشهر الحرم رحمة وعوناً لهم على حياتهم وحصول معايشهم.
وقصارى الكلام أن الحالة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية فالجهل ضارب أطنابه، والخرافات لها جولة وصولة والناس يعيشون كالأنعام، والمرأة تباع وتشترى وتعامل كالجمادات أحياناً، والعلاقة بين الأمة واهية مبتوتة، وماكان من الحكومات فجل همتها امتلاء الخزائن من رعيتها، أو جر الحروب على مناوئيها.
5- 3 - الحالة الاقتصادية:
أما الحالة الاقتصادية، فتبعت الحالة الاجتماعية، ويتضح ذلك إذا نظرنا في طرق معايش العرب. فالتجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على حوائج الحياة، والجولة التجارية لا تتيسر إلا إذا ساد الأمن والسلام، وكان ذلك مفقوداً في جزيرة العرب إلا في الأشهر الحرم ، وهذه هي الشهور التي كانت تعقد فيها أسواق العرب الشهيرة من عكاظ وذي المجاز ومجنة وغيرها.
وأما الصناعات فكانوا أبعد الأمم عنها، ومعظم الصناعات التي كانت توجد في العرب من الحياكة والدباغة وغيرها كانت في أهل اليمن والحيرة، ومشارف الشام، نعم كانت في داخل الجزيرة الزراعة، والحرث، واقتناء الأنعام، وكانت نساء العرب كافة يشتغلن بالغزل، لكن كانت الأمتعة عرضة للحروب، وكان الفقر والجوع والعرى عاماً في المجتمع.
5- 4 - الأخلاق:
لا ننكر أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم، ويأباها الوجدان، ولكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة ما يروع الإنسان، ويُفضي به إلى الدهشة والعجب، فمن تلك الأخلاق:
1-الكرم، وكانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم، بين ممتدح به ومثن على غيره، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع، وليس عنده من المال إلا ناقته التي هي حياته وحياة أسرته، فتأخذه هزة الكرم، فيقوم إليها، ويذبحها لضيفه، ومن آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة والحمالات المدهشة، يكفون بذلك سفك الدماء، وضياع الإنسان، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات.
وكان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمور، لا لأنها مفخرة في ذاتها، بل لأنها سبيل من سبل الكرم، ومما يسهل السرف على النفس، ولأجل ذلك كانوا يسمون شجر العنب بالكرم، وخمره ببنت الكرم. وإذا نظرت إلى دواوين أشعار الجاهلية تجد ذلك باباً من أبواب المديح والفخر، يقول عنترة بن شدّاد العبسي في معلقته:
ولقد شربت من المدامة بعدما
كد الهواجر بالمشوف المعلم
بزجاجة صفراء ذات أســــرة
رنت بأزهر بالشمال مفدم
فإذا شربت فإنني مســـتهلك
الي، وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى
كما علمت شمائلي وتكرمي
ومن نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر، فإنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم، لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه، أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين، ولذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر والميسر وإنما يقول: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }.
2-ومن تلك الأخلاق الوفاء بالعهد، فقد كان العهد عندهم ديناً يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولادهم، وتخريب ديارهم، وتكفي في معرفة ذلك قصة هانىء بن مسعود الشيباني، والسموأل بن عاديا، وحاجب بن زرارة التميمي.
3-ومنها عزة النفس وإباء عن قبول الخسف والضيم، وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة، وشدة الغيرة، وسرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إلا قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل.
4-ومنها المضي في العزائم، فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد، والافتخار لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله.
5-ومنها الحلم، والأناة، والتؤدة، كانوا يتمدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود، لفرط شجاعتهم، وسرعة إقدامهم على القتال.
6-ومنها السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة، ومكائدها، وكان من نتائجه الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع والغدر.
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة -مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة إلى العالم - كانت سبباً في اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة الأمة الإنسانية والمجتمع البشري؛ لأن هذه الأخلاق وإن كان بعضها يفضي إلى الشر، ويجلب الحوادث المؤلمة، إلا أنها كانت في نفسها أخلاقاً ثمينة، تدر المنافع العامة للمجتمع البشري بعد شيء من الإصلاح، وهذا الذي فعله الإسلام.
ولعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق وأعظمها نفعاً بعد الوفاء بالعهد هو عزة النفس والمضي في العزائم، إذ لا يمكن قمع الشر والفساد، وإقامة نظام العدل والخير، إلا بهذه القوة القاهرة، وبهذا العزم الصميم.
ولهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها وليس قصدنا استقصاءها.
5- 2 - الحالة الاجتماعية:
كانت في العرب أوساط متنوعة، تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم، وكان لها من حرية الإرادة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف، وتراق الدماء، وكان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، ومع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الأسرة، وصاحب الكلمة فيها، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم.
بينما هذه حال الأشراف، كان هناك في الأوساط الأخرى أنواع من الإختلاط بين الرجل والمرأة، لا نستطيع أن نعبر عنه إلا بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة، روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فكان منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر:كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتز لها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط دون العشرة. فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها. فإذا حملت، ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها. وهن البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات، تكن علماً لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعى ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمداً صلَّى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم.
وكانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، وأسنة الرماح، فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم.
وكان من المعروف في أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، وكانوا يجمعون بين الأختين، وكانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها (سورة النساء 22، 23) وكان الطلاق بين الرجال لا إلى حد معين.
وكانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الأوساط، لا نستطيع أن نخص منها وسطاً دون وسط أو صنفاً دون صنف، إلا أفراداً من الرجال والنساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في هذه الرذيلة، وكانت الحرائر أحسن حالاً من الإماء والطامة الكبرى هي الإماء، ويبدو أن الأغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الإنتساب إلى هذه الفاحشة، روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن جده قال: قام رجل فقال يا رسول الله إن فلاناً ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : "لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية. الولد للفراش وللعاهر الحجر "، وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة -وهو عبد الرحمن بن زمعة - معروفة.
وكانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى فمنهم من يقول:
إنما أولادنا بيننا
كبادنا تمشي على الأرضِ
ومنهم من كان يئد البنات خشية العار والإنفاق، ويقتل الأولاد خشية الفقر والإملاق (القرآن 6:151، 58:16-59، 31:17، 8:81 )، ولكن لا يمكننا أن نعد هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة، فقد كانوا أشد الناس احتياجاً إلى البنين، ليتقوا بهم العدو.
أما معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية، ويموتون لها. وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية، وكان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم، وكانوا يسيرون على المثل السائر "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" على المعنى الحقيقي، من غير التعديل الذي جاء به الإسلام من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه، إلا أن التنافس في الشرف والسؤدد كثيراً ما كان يفضي إلى الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد، كما نرى ذلك بين الأوس والخزرج، وعبس وذبيان، وبكر وتغلب وغيرها.
أما العلاقة بين القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الأوصال تماماً، وكانت قواهم متفانية في الحروب. إلا أن الرهبة والوجل من بعض التقاليد والعادات المشتركة بين الدين والخرافة ربما كان يخفف من حدتها وصرامتها وفي بعض الحالات كانت الموالاة والحلف والتبعية تفضي إلى اجتماع القبائل المتغايرة، وكانت الأشهر الحرم رحمة وعوناً لهم على حياتهم وحصول معايشهم.
وقصارى الكلام أن الحالة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية فالجهل ضارب أطنابه، والخرافات لها جولة وصولة والناس يعيشون كالأنعام، والمرأة تباع وتشترى وتعامل كالجمادات أحياناً، والعلاقة بين الأمة واهية مبتوتة، وماكان من الحكومات فجل همتها امتلاء الخزائن من رعيتها، أو جر الحروب على مناوئيها.
5- 3 - الحالة الاقتصادية:
أما الحالة الاقتصادية، فتبعت الحالة الاجتماعية، ويتضح ذلك إذا نظرنا في طرق معايش العرب. فالتجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على حوائج الحياة، والجولة التجارية لا تتيسر إلا إذا ساد الأمن والسلام، وكان ذلك مفقوداً في جزيرة العرب إلا في الأشهر الحرم ، وهذه هي الشهور التي كانت تعقد فيها أسواق العرب الشهيرة من عكاظ وذي المجاز ومجنة وغيرها.
وأما الصناعات فكانوا أبعد الأمم عنها، ومعظم الصناعات التي كانت توجد في العرب من الحياكة والدباغة وغيرها كانت في أهل اليمن والحيرة، ومشارف الشام، نعم كانت في داخل الجزيرة الزراعة، والحرث، واقتناء الأنعام، وكانت نساء العرب كافة يشتغلن بالغزل، لكن كانت الأمتعة عرضة للحروب، وكان الفقر والجوع والعرى عاماً في المجتمع.
5- 4 - الأخلاق:
لا ننكر أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم، ويأباها الوجدان، ولكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة ما يروع الإنسان، ويُفضي به إلى الدهشة والعجب، فمن تلك الأخلاق:
1-الكرم، وكانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم، بين ممتدح به ومثن على غيره، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع، وليس عنده من المال إلا ناقته التي هي حياته وحياة أسرته، فتأخذه هزة الكرم، فيقوم إليها، ويذبحها لضيفه، ومن آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة والحمالات المدهشة، يكفون بذلك سفك الدماء، وضياع الإنسان، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات.
وكان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمور، لا لأنها مفخرة في ذاتها، بل لأنها سبيل من سبل الكرم، ومما يسهل السرف على النفس، ولأجل ذلك كانوا يسمون شجر العنب بالكرم، وخمره ببنت الكرم. وإذا نظرت إلى دواوين أشعار الجاهلية تجد ذلك باباً من أبواب المديح والفخر، يقول عنترة بن شدّاد العبسي في معلقته:
ولقد شربت من المدامة بعدما
كد الهواجر بالمشوف المعلم
بزجاجة صفراء ذات أســــرة
رنت بأزهر بالشمال مفدم
فإذا شربت فإنني مســـتهلك
الي، وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى
كما علمت شمائلي وتكرمي
ومن نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر، فإنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم، لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه، أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين، ولذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر والميسر وإنما يقول: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }.
2-ومن تلك الأخلاق الوفاء بالعهد، فقد كان العهد عندهم ديناً يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولادهم، وتخريب ديارهم، وتكفي في معرفة ذلك قصة هانىء بن مسعود الشيباني، والسموأل بن عاديا، وحاجب بن زرارة التميمي.
3-ومنها عزة النفس وإباء عن قبول الخسف والضيم، وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة، وشدة الغيرة، وسرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إلا قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل.
4-ومنها المضي في العزائم، فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد، والافتخار لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله.
5-ومنها الحلم، والأناة، والتؤدة، كانوا يتمدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود، لفرط شجاعتهم، وسرعة إقدامهم على القتال.
6-ومنها السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة، ومكائدها، وكان من نتائجه الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع والغدر.
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة -مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة إلى العالم - كانت سبباً في اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة الأمة الإنسانية والمجتمع البشري؛ لأن هذه الأخلاق وإن كان بعضها يفضي إلى الشر، ويجلب الحوادث المؤلمة، إلا أنها كانت في نفسها أخلاقاً ثمينة، تدر المنافع العامة للمجتمع البشري بعد شيء من الإصلاح، وهذا الذي فعله الإسلام.
ولعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق وأعظمها نفعاً بعد الوفاء بالعهد هو عزة النفس والمضي في العزائم، إذ لا يمكن قمع الشر والفساد، وإقامة نظام العدل والخير، إلا بهذه القوة القاهرة، وبهذا العزم الصميم.
ولهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها وليس قصدنا استقصاءها.
الخميس مارس 14, 2013 1:33 am من طرف Ahmed shaban
» 77 كتاب للطاقة الداخلية + 9 كتب للباراسيكولوجى
الخميس سبتمبر 06, 2012 6:21 pm من طرف oratchemaro
» حصريا فيلم ((ابراهيم الابيض)) بطولة احمد السقا و هند صبرى نسخة أصلية Rmvb حجم 380 MB
الأربعاء مايو 30, 2012 4:18 pm من طرف mohamed samy 2009
» افلام (فيديوهات) اللعبه الشهيرة need for speed most wanted
الجمعة فبراير 25, 2011 3:33 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(المكتبة الحديثة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:26 pm من طرف ArShIdO5
» مكتبة الاسكندرية صرح التاريخ(اللمكتبة القديمة)
الأحد يوليو 25, 2010 2:13 pm من طرف ArShIdO5
» لعبة الصراحة فى الحب
الجمعة مارس 26, 2010 1:06 am من طرف hamsa 3etab
» صور تحت المطر لازم تتفرج عليها
الثلاثاء فبراير 09, 2010 6:23 pm من طرف hamsa 3etab
» فلسطين في موسوعة جينيس
السبت نوفمبر 28, 2009 11:52 pm من طرف dydy
» اصدقاء
الخميس نوفمبر 26, 2009 6:46 pm من طرف el-klawy